العمق الصحراوي: هيئة التحرير
تعيش وزارة الداخلية على وقع حالة استنفار إداري، بعدما باشرت مديرية مالية الجماعات المحلية عمليات تدقيق واسعة في تقارير رفعتها مصالحها الترابية، تتضمن معطيات مثيرة عن تورط منتخبين ورؤساء جماعات في شبهات ابتزاز وتلاعب بصفقات عمومية خلال الأشهر الأخيرة من ولايتهم الانتخابية.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها مصادر مطلعة إلى أن بعض رؤساء الجماعات لجأوا إلى أساليب غير قانونية لمساومة مقاولين، من خلال ربط صرف مستحقاتهم المالية المتأخرة بقبولهم المشاركة في صفقات “صورية” أو مشبوهة. هذه الممارسات، التي توصف في التقارير بـ“الممنهجة”، جاءت في وقت حساس يسبق الاستحقاقات الانتخابية، ما أثار شكوكا حول نوايا توظيف المال العام لأغراض انتخابية أو شخصية.
كما سجلت الشكايات التي توصلت بها مصالح الداخلية امتناع جماعات محلية عن تأشير صرف مستحقات شركات أنجزت مشاريعها فعلياً وسلمت توريداتها، في حين تم تمرير صفقات أخرى بطريقة انتقائية، وهو ما دفع عدداً من المقاولين إلى اللجوء إلى العمال للمطالبة بتدخل فوري وإجراء مراقبات ميدانية للأشغال المنجزة.
وتكشف التقارير أيضاً عن لجوء بعض الجماعات إلى استعمال مكثف لسندات الطلب خارج الإطار القانوني، إذ تم تفتيت صفقات كبيرة إلى مبالغ صغيرة لا تتجاوز 20 مليون سنتيم، لتفادي مساطر طلب العروض، وتمريرها لممونين محددين تجمعهم علاقات مصالح مع المنتخبين. هذه الآلية، التي وُجدت أصلاً لتسهيل تدبير النفقات البسيطة، تحولت في عدد من الحالات إلى باب خلفي لتبديد المال العام وتغذية “ريع سياسي” محلي.
كما رُصدت حالات تلاعب بوثائق التسلم النهائي لتوريدات وهمية، وتوقيع محاضر إنجاز لأشغال لم تنفذ على أرض الواقع، بهدف تبرير صرف اعتمادات مالية قبل نهاية الولاية. وتحدثت المصادر ذاتها عن تمرير صفقات تتعلق بتوريدات التجهيز والديكور استعداداً للمواسم الصيفية والمناسبات الوطنية، وهي مجالات غالباً ما يصعب التحقق من كلفتها الحقيقية.
وفي المقابل، تحركت الإدارة المركزية بسرعة، إذ وجهت تعليمات إلى الولاة والعمال بعقد اجتماعات طارئة مع رؤساء الجماعات المعنيين، من أجل تسوية الملفات العالقة، خصوصاً تلك التي تهم المقاولات الصغيرة جداً، والتي تضررت بشكل مباشر من تعطيل مستحقاتها. كما شددت التعليمات على ضرورة تفعيل مقتضيات دورية وزارة الداخلية حول تقليص آجال الأداء واعتماد النظام الإلكتروني لتتبع الفواتير، ضماناً للشفافية وحماية لمناخ الأعمال.
وبينما تتواصل التحقيقات الإدارية لتحديد المسؤوليات، يترقب المتتبعون المحليون أن تشمل الإجراءات القادمة عمليات افتحاص ميدانية وتدقيق في حسابات الجماعات التي يشتبه في تورطها، في خطوة وصفت بأنها “إنذار رسمي” لكل من يحاول استغلال مرحلة نهاية الولاية لتصفية مصالح خاصة على حساب المال العام.

